الشاعر
عدد الرسائل : 144 العمر : 58 الرسالة :
تاريخ التسجيل : 27/11/2008
| موضوع: تعليق على قصيدة (الضيـاع) للشاعر سمير بكرو الخميس يونيو 04, 2009 6:11 am | |
| قصيدة الضيـــــاع للشاعر سمير بكرو عذّبي ما شئت قلبي فأنا رجل أدمن في الحب العذابا
واقتليني لن يزيد الموت في خافقي الا غراما وشبابا
اقتليني فأنا أحيا إذا متّ عرسي إن في الموت اقترابا
وارقصي فوق ضريحي كلّما هتف الشوق بقلب قد تصابا
مزّقيني وانثري فوق الّلظى جثّتي لن تحرق النار الضبابا
أنا حلم طاف في ليل الهوى أنا نجم شعّ حينا ثمّ غابا
أنا وهم أناظلّ من أنا لست أدري ربّما كنت سرابا
ربّما لا تسأليني فأنا فاقد في عالم الحبّ الصوابا
فاقد حتّى خيالي طالما لم ألاقي في الهوى إلا اكتئابا
يا ملاكاً همت في صحبته ما الّذي قلت لقلبي فاستجابا
كان بالأمس أنينا خفقه فغدا اليوم وقد مسّ الرضابا
خافقاً كالطير يشدو للهوى أو كعبدٍ ذاق ويلاً ثم تابا
قد عرفت الآن حقاً من أنا …أنا جرح زاره الحبّ فطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـابا
عدل سابقا من قبل الشاعر في السبت يوليو 04, 2009 2:45 am عدل 1 مرات | |
|
الشاعر
عدد الرسائل : 144 العمر : 58 الرسالة :
تاريخ التسجيل : 27/11/2008
| موضوع: رد: تعليق على قصيدة (الضيـاع) للشاعر سمير بكرو الخميس يونيو 04, 2009 6:15 am | |
| التعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
ليسمح لي الشاعر سمير بكرو بالوقوف قليلا على قصيدته في محاولة استكناه المعاناة التي يعبر عنها ، والمشاعر التي تجيش في صدره كنوع من العشق السرمدي الذي لا يتغير ولا يعكره تعذيب المحبوب حتى لو وصل مرحلة القتل. النص جميل وكلماته معبرة غلبت عليها الرؤية التشاؤمية (عذبي- اقتليني- الضريح- الموت- أنين- الجرح) وما إلى ذلك مما يعكس معاناة الشاعر. وقد كان الشاعر تلقائيا في تعبيره فلم ينصرف إلى الشكل والزخرفة رغم وجود خيال واسع في الأبيات من استعارات جاءت متزاحمة ومن تشبيه وكناية جعلت جو القصيدة مفعما بالجمال والشاعرية حيث جاءت عفوية غايتها التعبير، لكن المقدرة الفنية للشاعر والتي تكونت لديه عبر تجربة طويلة جعلت تعابيره تخرج إلينا تلقائيا في صور فنية بديعة. يقول: (عذّبي ماشئت قلبي فأنا رجل أدمن في الحب العذابا) الحب كله عذاب ، والمحب إذا التزم الوفاء لمحبوبه فلا شك أنه يستمرئ العذاب بل وربما وجد تلذذا فيه. وها هو الشاعر يؤكد على هذا بصيغة (أدمن العذاب) مقابل (رجل) التي توحي بالكبرياء والعزة، لكنها أمام المحبوب تتلاشى حيث تنصهر الأنا في (أنت) إغراقا في الهيام. وقد فتح باب الزمن مطلقا في قوله (ما شئت) لأن حبه يستمر نبضا خالدا حتى بعد الموت: (واقتليني لن يزيد الموت في خافقي إلا غراما وشبابا) .بل حتى لو كان قتل الحبيب تصابيا كنوع من السادية يدعو للرقص على ضريح القتيل بدلا من البكاء كلما هزها الشوق له، فالشاعر يعبر عن حب غير عادي، وإذا كان الحب غير عادي فلا شك أن المحبوب غير عادي ؛ إنه حب سام لذات سامية استخدم الشاعر الرمز بالحبيبة في التكنية عنها، وليس في النص إشارات ثابتة لماهيتها، فهو ليس حبا إلهيا كما نجد في شعر رابعة العدوية وغيرها من الصوفية لأننا لو فكرنا في هذا النهج لاصطدمنا بقوله: (وارقصي فوق ضريحي كلّما هتف الشوق بقلب قد تصابا( لأن ذلك يوهم الحلول وينسب لذات الله ما لا يليق به سبحانه. لذا فإن هذه الإشارة تنتقض. لكنني أعتقد جازما أنه يستخدم الرمز لمحبوبة ملكت عليه كل جوارحه، ويؤكد على فناء ذاته فيها حتى يشك في وجود تلك الذات في العالم المحسوس (أنا وهم أنا ظلّ من أنا لست أدري ربّما كنت سرابا( ومن خلال معرفتي بالشاعر وكتاباته عبر سنوات من التواصل والمتابعة أستشعر أن الرمز هنا نوع من انعكاسات الغربة ووطأتها والشعور الذي يتنازعه معها تجاه بلده حيث نجد تذللا واندفاعا في التفاني لها كنوع من البحث عن الذات المتمثلة في طفولة وشباب على تلك الأرض وكنوع من تعويض النفس عما فاتها في فراق الوطن والأحباب في تعبير جامح في لحظة انعتاق للذات من طبيعة الحياة المادية التي تضغط على أحاسيسه بفكين هما الغربة والحنين. وبعد إظهار كل هذا التفاني لا مانع من الانكسار في بوح من العتاب المهذب في حرص على مشاعر الحبيب (يا ملاكا) (هذه إشارة أخرى) فهي ليست بشرا فاستخدم الإثبات للنفي، ليؤكد لنفسه أنها تستحق هذا الحب والتفاني فيه.فيأتي العتاب بعدها في استفهام تعجبي (ما الّذي قلت لقلبي فاستجابا( استفهام ليس فيه إنكار ولا إشعار بالندم ولكنه يرمي إلى كف اللائمين بإلقاء تبعة هذا العذاب على قلبه فهو المسؤول الوحيد عما به. ثم ينتفض بقوة لينفي عن نفسه هذا الانكسار ويعود إلى حالة التلذذ بالعذاب مؤكدا أن حياته الحقيقية كانت في الحب وحده من خلال التشبيه التمثيلي فصورة القلب الذي عاش خاليا ثم ذاق الحب هي صورة العبد الذي ابتعد عن مولاه فذاق ببعده الويلات ثم عاد إليه فاستبدل ما كان من عذاب الإباق بنعيم التوبة. (كعبدٍ ذاق ويلاً ثم تابا) حالة متفردة قد نجد لها أمثلة قليلة كابن الفارض حين يقول: (عذبْ بما شئت غير البعد عنك تجد أوفى محب بما عذبت مبتهج)(وخذ بقية ما أبقيت من رمق لاخير في الحب إن أبقى على المهج) فهو إخلاص نادر (وهذه إشارة أخرى)، ثم يؤكد على المعنى بقوله: (قد عرفت الآن حقاً من أنا …أنا جرح زاره الحبّ فطـابا).فالحب كان دواء ونهاية لعذابات نفس أشبه ما تكون بجرح كان الحب شفاء له. فالغربة داء والحب كان هو المواسي له فيها ، وحنينه لوطنه هو البلسم لكل أدواء الغربة. [center] | |
|